الأحد، 23 مايو 2010

ألفاظ الصوفية بين السنة والبدعة لفظة «نظرة» بين القواعد الشرعية واستعمالاتها الصوفية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه اما بعد :-

كلمة نظرة
اسم مرة من الفعل الماضي نظر ينظر نظرًا فهو ناظر، وفي المعجم (نظر إلى الشيء نظرًا: أبصره وتأمله بعينه) ذلك لأن النظرة فعل العين،
 وفي الذكر الحكيم عن المنافقين (... رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك
نظر المغشي عليه من الموت...) سورة سيدنا محمد- صلى الله عليه وآله وسلم- الآية (20)
 وقد يكون النظر واجبًا ومستحبًا مرغبًا فيه وهو النظر في كل ما يقوي الإيمان ويدعم اليقين، وبفتح باب مناجاة الحق تعالى والوقوف على دلائل قدرته وبراهين عظمته كقوله- تعالى-:
(قل سيروا في الأرض ثم انظروا...)[الأنعام: 11]، (أو لم يسيروا في الأرض فينظروا...)[الروم: 9] وغير ذلك كثير
.

وفي الأثر:
(ثلاثة النظر إليها عبادة (العلماء والوالدان والبحر)

وقد يكون النظر حرامًا وفاجرًا كما في الحديث (إن النظر سهم من سهام إبليس مسموم من تركه مخافتي أبدلته إيمانًا يجد حلاوته في قلبه)الطبراني من حديث ابن مسعود، والنظر هنا خيانة من
العين وإليه الإشارة في قوله- تعالى-: (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) [غافر: 19].
هذا عن نظر الخلق، أما نظر الحق تبارك وتعالى فهو غاية لطفه وكرمه وإحسانه ونهاية عطفه ونعمه وامتنانه بالمنظور إليه إذ ليس له نظر يحد ولا أفراد تُجمع أو تُعد فهو سبحانه
(
ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)[الشورى: 11]،

 ومن غضب عليه- سبحانه- حجب عنه هذا النظر وحرمه نعمته وعطاياه كما أعلن ذلك في كتابه: (إن
الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) [آل عمران: 77]
 فدل ذلك على مكانة النظر الإلهي والاعتناء الرباني كما دل أيضًا على أنه ما دام حجبه عن أعدائه فهو واصل لا شك بكرمه وجوده إلى أحبائه وأصفيائه، وإلى هذا النظر الإلهي يرنو الجميع العاصي
والمطيع،

 أما العاصي فعله يتوب، وأما الطائع فهو المتشوق إلى رضا الحبيب المحبوب، وعلى أثر هذا النظر الإلهي تُسكب الخيرات وتفاض البركات والتجليات وبه تنصلح الأحوال وتتحقق جميع الآمال.

وفي هذا المعنى قيل مناجاة لله- تعالى-:
قطرة من بحر جودك تملأ الأرض ريا ::*:: ونظرة بعين رحمتك تصير الكافر وليًا،
 غير أن هذا النظر الإلهي قد يكون من الله- تعالى- كفاحًا أي مواجهة من غير واسطة، وقد يكون بواسطة من خلال نظره تعالى إلى بعض صفوته وينظر إلى غيرهم من خلالهم، فقد ينظر سبحانه إلى بعض خلقه من خلال آخرين مرضيين عنده سبحانه فينظر إليهم وينظر لمن يهتمون به من خلالهم ومن
أجلهم،

 ومن هنا كانت منزلة مجالسة الصالحين ومحبتهم، وإلى هذا المعنى أُشير في قوله- تعالى- كما فهمه بعضهم على لسان بعض خلقه (وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين)[النمل: 19]
 فإذا كان المعنى المتبادر أدخلني في جملتهم واجعلني واحدًا منهم، فإن هناك إشارة خفية
لطيفة:

 (أدخلني في قلوبهم ليحبوني فإذا أحبوني دخلتُ قلوبهم وتجليت أنت سبحانك على قلوبهم فوجدتني فيها فنظرت إليّ بنظرك إليهم هم القوم لا يشقى بهم جليسهم، فهذا جليسهم فكيف بسميرهم وأنيسهم)
 ولا تعارض بين المعنيين فالقرآن الكريم بلغته وإعجازه حمال معانٍ (ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات إلي الله مرجعكم جميعًا)[البقرة: 148].
وإذا أحبك من يحبه الله تعالى نظر إليك فنظر الله- تعالى- بنظره إليك، وإن أعظم مخصوص وأحظى محظوظ بنظر الحق- تعالى- هو سيد الوجود وأفضل موجود سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- حبيبه المصطفى وصفيه المقتفى، موضع نظره وعنايته وموطن أمره ورعايته،
ولسعة مدده الفياض ورحمته العظمى ورأفته الكبرى وجهنا الله تعالى لنطلب منه النظر (يا
أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم) [البقرة: 104]
كما وجه- حبيبه- صلى الله عليه وآله وسلم- بإدامة نظره إلينا (ولا تعد عيناك عنهم)
[الكهف: 28]

 فبطلبنا منه النظر يحصل لنا الاعتناء والاهتمام وبحصول نظره لنا يتحقق الانسجام والاغتنام،
 ولا يظن أحد أن قوله- تعالى: (قولوا انظرنا) وقوله- سبحانه-: (ولا تعد عيناك عنهم) خاص بالصحابة الأوائل أو هو واقف عند حد عصره الأول وذلك لوجوه:

الأول:
أن القرآن الكريم ليس ظرفيًا وإنما هو باق إلى يوم القيامة
.

الثاني:
أن الله تعالى أطلق ما أمره به فيه فليس لأحد أن يقيد ما أطلقه الله.
الثالث:
أن رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- حي في برزخه العظيم لقوله- صلى الله عليه
وآله وسلم-: (الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون)،(إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)،(ما من مسلم يسلم عليّ إلا رد الله عليَّ روحي فأرد
عليه السلام)، (حياتي خير لكم ومماتي خير لكم تُعرض عليّ أعمالكم فإن رأيت خيرًا حمدت الله تعالى وإن رأيت غير ذلك استغفرت الله تعالى لكم).

لهذا رأينا الصالحين من أئمتنا يتوجهون إلى رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- بطلب النظر إليهم ويقولون «نظرة يا سيدي يا رسول الله...» وهم يقصدون أن رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- إذا نظر إليهم نظر الرضا وهم قائمون بسنته مكثرون للصلاة والسلام عليه مترنمون بمدائحه متوددون لأهل بيته فإن كل ذلك يتبعه نظر الرضا من رسول الله،
 و نظر الله تعالى يتبع نظر رسوله- صلى الله عليه وآله وسلم- فحيث ينظر رسول الله بالرضا ينظر الحق- تعالى- لأن ربه يسارع في رضاه وهواه (ولسوف يعطيك ربك فترضى) [الضحى:5].
ولهذا رأينا إمامنا الجعفري إمام الأزهر الشريف وأستاذ العلوم الشرعية والعربية، عالِم الشريعة وبحر الحقيقة يمدح جده المصطفى- صلى الله عليه وآله وسلم- قائلاً:


يا نظرة من رسول الله تنقــذني

يا نظرة من رسول الله تحفظني


من الوساوس والأهواء والكســل

من كل سوء إلى أن ينتهي أجلي

وهكذا تمضي القصيدة وفيها طلب النظرة من رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- خمس عشرة مرة، وما قيل عن نظر رسول الله يقال عن نظر غيره من أهل بيته الكرام أو صحابته العظام أو أولياء الله الأعلام لأنهم إذا نظروا إلى كسير جبر وطاب عيشه، ونُقل بفضل نظرتهم إلى ديوان السعداء، ومن هنا قال الإمام الجعفري- رضي الله عنه- للإمامين الجليلين مولانا الإمام الحسن ومولانا الإمام الحسين رضي الله عنهما:


وأنت يا حسن يا رحمة ظهــــرت

إليكما الجسم بالقلب العليل أتى


ويا حسين الذي بالذكر لم ينم

فنظرة منكما تجلو من العتــم

نسأل الله تعالى أن يعطف علينا قلب الحبيب والأحباب فينظروا لنا نظرة يزول بها الحجاب وتفتح بها الأبواب إنه عزيز وهاب.

آخر الأخبار