الأحد، 26 ديسمبر 2010

التصوف الحق المستنير لسماحة شيخ مشايخ الطرق الصوفية السابق رحمة الله الشيخ حسن الشناوى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه اما بعد:-

هذا المقال منقول من مجلة التصوف الإسلامى العدد رقم 346 السنة 29 - شوال 1428هـ - أكتوبر 2007
لسماحة شيخ مشائخ الطرق الصوفية آنذاك سيدى الشيخ حسن الشناوى رحمه الله تعالى وجعلنا من مريديه

أخى القارئ العزيز من آن لآخر يكثر الجدل حول التصوف فالبعض يؤيد ويرى أن التصوف روح الإسلام والبعض يقدح ويرى أن التصوف ما هو إلا بعد عن العمل ودعوة للكسل. بعد عن العمل وقوة السلبية. والقائمون عليه مجموعة من الدراويش من أصحاب المرقعات بل يميلون إلى الكسل والعزلة والهروب من مشاكل المجتمع وصخب الحياة.
ويجب ألا يكون للتصوف وجود فى هذا الزمن.
وحقيقة أثال هذا فى نفسى أشياء عديدة حول جوهر التصوف وهل هو حقيقة شئ عارض من حياة البشر؟ خاصة المسلمين. أم أنه من أسس الدين الإسلامى - يكمل به تمام إسلام المسلم وإتصاله بخالقه ودوام علاقته بالآخرين.
لذلك : أحاول بتوفيق من ربى فى مقالى أن أبين حقيقة الصلة القوية بين التصوف والإسلام من جهة , وبين التصوف والحياة العامة من جهة أخرى.
فاعلم أخى وفقنى الله وإيام لما يحبه ويرضاه أن أول ظهور التصوف الإسلامى والمعلم والقائد له سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهو أول المعتكفين الذى كان يصلى بالليل والناس نيام حتى تورمت قدماه ولما سئل عن سبب ذلك وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر أجاب بقوله ((أفلا أكون عبدا شكورا)).
هذا وقد إمتحده مولاه بقوله ((وإنك لعلى خلق عظيم)) لذلك نجد أن الإمام الكنانى يقول : التصوف هو الخلق فمن زاد عنك فى الخلق زاد عنك فى التصوف.
فنجد أن الصوفيين هم الذين أعرضوا عن زهرة الحياة الدنيا وزينتها ولذاتها بل وزهدوا فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه وسلطان وإنفردوا عن الخلق فى الخلوة للعبادة للع تعالى تقربا إليه محاولين بذلك أن يحققوا صورة المسلم الحق. كما ظهرت لهم صورته مرسومة فى كتاب الله تعالى بقوله ((إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور)) وقوله تعالى ((رجالا لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب)).
هذا : وقد وصفهم أبو نعيم الأصفهانى بقوله : هم قوم أخلاهم الحق من الركون إلى شئ من العروض وعصمهم من الإفتتان بها وجعلهم قدوة للمتجردين من الفقراء لا يأوون إلى أهل ولا مال ولا يلهيهم عن ذكر الله تجارة ولا مال ولم يحزنوا على ما فاتهم من الدنيا. ولم يفرحوا إلا بما أيدوا به من العقبى.
وبهذا أخى القارئ العزيز: نرى أن هذه الطائفة العابدة الذاكرة الواعية قد تمثلت الإسلام تمثلا قويا وفهمت معناه فهما واعيا. فتمسكت بجوهره ووعيت مثله فاتخذتها غاية لها تسعى إلى تحقيقها بطرق شتى لا يقدر عليها إلا أصحاب العزائم القوية ومكارم الأخلاق. وطريقهم إلى ذلك تقديم مجاهدة النفس كما قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ((رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر)) ولما سئل عن الجهاد الأكبر قال : جهاد النفس. وطريقهم أيضا الإتصال بالصفات المحمودة والتخلى عن الصفات المذمومة مع الإقبال كلية على الله تعالى.
وقد قال عنهم الغزالى رحمه الله إن طريقهم تطهير محض وتصفية وجلاء ومحاسبة للنفس ثم إستعداد وإنتظار للتجلى.
إن الصوفية هم قوم أطالوا النظر فى الحياة وأمعنوا فى تدبرها وتفهمها ففهموا بفهمهم الواعى أنها غرور. من أقبل عليها خدعته بزينتها الزائفة حتى لا يرى سواها فى نظره فتعميه عن معرفة الحق والتقرب إلى مالك الملك خالق السموات والأرضين وما بينهما سبحانه.
لذلك: يقول الحسن البصرى رحمه الله الدنيا دار عمل من صحبها بالبغض لها والزهد فيها سعد بها ونفعته صحبتها. ويقول: ابن آدم نفسك نفسك إنما هى نفس واحدة إن نجت نجوت وإن هلكت هلكت ولم ينفعك من نجا وكل نعيم دون الجنة حقير وكل بلاء دون النار يسير.
فهذا: ما يؤمن به الصوفية وما يجب أن يضعه كل مؤمن أمام عينيه فلو آمن بأن غده ليس بين يديه وأن أمسه أصبح بين يدى الله تعالى لما بقى له من حاضره إلا بما يملؤه من عمل صالح يتقرب به إلى خالقه.
حقيقة إن أعمال الصوفية صادرة عن إرادة حقة إيجابية وقوة إيجابية دافعة لا تحركها أمور سلبية وليس أدل على ذلك من طرقهم فى تجلية النفس وتنقية القلب وإتصاف بالمعروف وإقبال على الخير وبعد عن الشر.
الصوفيون الحقيقيون المستنيرون
هم: قوم فهموا القرآن وتدبروا معانية وتحققوا بالشريعة لدرجة أنهم قالوا : إذا نظرتم إلى رجل له كثير من الكرامات لدرجة أنها إرتقى فى الهواء ومشى على الماء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهى وحفظ الحدود وأدائه للشريعة.
هكذا: أخى القارئ العزيز: لقد إتصف الصوفيون بصفات سامية وإشتهروا بأخلاق حميدة. وأضحوا وأصبحوا فى توبه ومجاهدة وخلوة وتقوى وورع وزهد فى الدنيا ولذاتها فأصبحت فى أيديهم استوى عندهم حجرها ومدرها. كما إشتهروا بصمت عن الغيبة والنميمة وكل ما يغضب الله تعالى من القول وإشتهروا بالخوف والرجاء والحزن والجوع وترك شهوتى البطل والفرج. كما إشتهروا بالخشوع والتواضع ومخالفة النفس وإتصاف بالقناعة والتوكل والشكر والفكر واليقين والصبر والمراقبة والعبودية والإستقامة والإخلاص والصدق والحياء والذكر والجود والسخاء. وما إلى ذلك من صفات طيبة وسجايا حميدة وهم الذين طلبوا الحرية عن الأغيار ولم يعترفوا إلا بعبودية الواحد القهار سبحانة وتعالى.
هذه صفاتهم وتلك أخلاقهم فهل بعد ذلك يقال عنهم أنهم قوة سلبية ؟ لقد كانوا عبادا بالليل فرسانا بالنهار دافعوا عن الإسلام ضد الصليبيين كأحمد البدوى وأبو الحسن الشاذلى كما ذكر لنا التاريخ.
وإنظر أخى القارئ إلى هذه المساجلة التى يرويها لنا التاريخ والتى كانت بين بهلول المجنون رحمه الله وبين هارون الرشيد. قال هارون الرشيد لبهلول المجنون: كنت أشتهى رؤيتك من زمن. فقال بهلول المحنون: لكنى أنا لم أشتق إليك قط. فقال هارون لبهلول: عظنى. فقال له بم أعظك؟ هذه قصورهم وتلك قبورهم وكيف بك يا أمير المؤمنين إذا أقامك الحق بيم يديه فسألك عن النقير والفتيل والقطمير وأنت عطشان جوعان عريان وأهل الموقف ينظرون إليك ويضحكون. عند ذلك بكى هارون الرشيد بكاء شديدا وإتعظ بما سمع من بهلول وإنصرف.
هكذا: كان كبار الصوفية يعظون حتى الحكام من وقت لآخر لا يفرقون بين العظيم وغيره.
هذا أخى القارئ العزيز هو الوجه الصحيح للتصوف الإسلامى الذى ينبوعه الكتاب والسنة المطهرة ولد مر زمن ظهر فيه بعض الدخلاء على التصوف الرشيد. ولكن بفضل مشايخ الطرق الصوفية وإعتمادهم على الله تعالى يسعون جاهدين لإزالة هذه الفئة ليعود التصوف إلى عهده السابق نرجو من الله التوفيق السداد إنه سميع مجيب.

آخر الأخبار